الخميس، 4 سبتمبر 2025



أبعاد الصراع الأمريكي–الصيني من خلال أطروحة غراهام أليسون في كتابه "حتميّة الحرب":


الصراع الأمريكي–الصيني:

يشهد النظام الدولي في العقود الأخيرة تحوّلاً جذرياً يتمثل في الصعود الصيني السريع على الساحة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، في مقابل الهيمنة الأمريكية التي تكرّست منذ نهاية الحرب الباردة. هذا التحول أثار نقاشات واسعة حول مستقبل العلاقات بين واشنطن وبكين، وما إذا كان العالم مقبلاً على مواجهة بين القوتين.

في هذا السياق، يقدّم المؤرخ الأمريكي غراهام أليسون في كتابه الشهير «حتمية الحرب بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة» (Destined for War) إطاراً تحليلياً لفهم طبيعة هذا الصراع، من خلال ما أسماه بـ «فخ ثيوسيديدس»، وهو المفهوم الذي يشير إلى أنّ صعود قوة جديدة يثير الخوف والقلق لدى القوة المهيمنة، مما يقود في كثير من الحالات إلى الحرب.



أبعاد الصراع الأمريكي–الصيني


1. البعد الاقتصادي

  • تمثل الصين اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع معدلات نمو متسارعة جعلتها أقرب منافس مباشر للولايات المتحدة.

  • مبادرات مثل «الحزام والطريق» تعكس الطموح الصيني في إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية، الأمر الذي تعتبره واشنطن تهديداً لمكانتها في قيادة الاقتصاد الدولي.

2. البعد التكنولوجي

  • المنافسة تحتدم في مجالات الذكاء الاصطناعي، الجيل الخامس، وأشباه الموصلات.

  • الولايات المتحدة تفرض قيوداً على نقل التكنولوجيا إلى الصين، بينما تستثمر بكين بكثافة لتحقيق استقلال تكنولوجي وريادة عالمية.

3. البعد العسكري والأمني

  • بحر الصين الجنوبي وتايوان يمثلان نقاط تماس حساسة بين الطرفين.

  • الصين تعمل على تحديث جيشها، فيما تعزز واشنطن تحالفاتها في آسيا (اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، والهند) لاحتواء النفوذ الصيني.

4. البعد الأيديولوجي والسياسي

  • الولايات المتحدة تروج للنظام الديمقراطي الليبرالي كنموذج عالمي، بينما تقدم الصين نموذجاً بديلاً يقوم على «التنمية مع الاستقرار السلطوي».

  • هذا التباين الأيديولوجي يعمّق الاستقطاب ويحوّل الصراع إلى مواجهة بين نماذج حكم وقيم.


بين الحتمية وإدارة التنافس

غراهام أليسون يشير إلى أن التاريخ يقدم أمثلة عديدة (16 حالة) شهدت صعود قوة جديدة في مواجهة قوة مهيمنة، انتهت 12 منها بالحرب. غير أن الحالة الأمريكية–الصينية تختلف عن سابقاتها بفعل:

  • الترابط الاقتصادي العميق بين الطرفين.

  • الردع النووي الذي يجعل الحرب المباشرة مكلفة بشكل غير مسبوق.

  • وجود تحديات عالمية مشتركة (المناخ، الأمن الصحي، الطاقة) قد تفرض التعاون رغم حدة التنافس.


خلاصة

الصراع الأمريكي–الصيني يمثل أبرز ملامح القرن الحادي والعشرين، وهو صراع متعدد الأبعاد: اقتصادي، تكنولوجي، عسكري، وأيديولوجي. ورغم أن نظرية «فخ ثيوسيديدس» ترفع احتمالية المواجهة، فإن خصوصية السياق الدولي الحالي تجعل الحرب المباشرة أقل ترجيحاً، لصالح منافسة طويلة الأمد قد تحدد شكل النظام العالمي لعقود قادمة.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  برامج الذكاء الاصطناعي: تعريف شامل، استعمالات، إيجابيات وسلبيات؟ مقدمة لم يعد الذكاء الاصطناعي (AI) مجرد فكرة مستقبلية أو تكنولوجيا حكرً...